انعكاسات تعديل قانون البلدية على اختيار رئيس المجلس البلدي
تُعدّ عملية اختيار وتنصيب رئيس المجلس الشعبي البلدي من أهم العمليات ذات الأثر البالغ على سير العمل البلدي والمحلي، نظراً للمكانة التي يحتلها رئيس المجلس كرئيس للهيئة التنفيذية للبلدية، والمسؤول الأول عن تسيير شؤونها وترجمة برامجها إلى واقع ملموس.
انعكاسات-تعديل-قانون-البلدية-على-اختيار-رئيس-المجلس-البلدي |
لذلك حرص المشرع الجزائري منذ الاستقلال على وضع ضوابط وقواعد قانونية تنظم هذه العملية، إلا أنها بقيت تشكو العديد من النقائص والثغرات التي ظهرت بوضوح أكبر مع آخر تعديل تم إدخاله على قانون البلدية بموجب الأمر رقم 21-13 الصادر في أوت 2021.
وعليه، سنتناول من خلال هذا المقال الإشكالات القانونية التي طرحها الأمر 21-13 خلال تطبيقه العملي بمناسبة انتخابات المجالس المحلية في نوفمبر 2021، من خلال النقاط الآتية:
- أولاً: آلية اختيار وتنصيب رئيس المجلس الشعبي البلدي قبل الإصلاحات الأخيرة.
- ثانياً: الآلية الجديدة لاختيار رئيس المجلس الشعبي البلدي بعد الإصلاحات.
- ثالثاً: الإشكالات القانونية التي أثارها تطبيق الأمر 21-13.
- رابعاً: التوصيات لتجاوز الإشكالات المسجلة.
خريطة لمحتويات المقال |
تمر عملية اختيار وتنصيب رئيس المجلس الشعبي البلدي في الجزائر بمراحل مختلفة، تتماشى والمستجدات السياسية والتشريعية بدءا من إقرار مبدأ اللامركزية في دستور 1996 وانتهاء بالإصلاحات السياسية الأخيرة التي عرفتها البلاد بعد أحداث 22 فيفري 2019.
فقد كان الاختيار يتم عن طريق الانتخاب قبل 1989 ثم تم التحول إلى التعيين بعد ذلك، إلى أن عاد المشرع مرة أخرى إلى الانتخاب كآلية لاختيار الرئيس بعد صدور القانون العضوي للانتخابات سنة 2012.
وقد شهدت عملية الاختيار خلال تلك المراحل المختلفة بعض الإشكالات القانونية نتيجة عدم التناسق بين القوانين المنظمة لها، وهو ما استدعى تدخلات تفسيرية من طرف الإدارة للتوفيق بين مختلف النصوص.
غير أن أبرز الإشكالات ظهرت مؤخرا مع صدور الأمر 21-13 المعدل لقانون البلدية 11-10، إذ تسبب غموض بعض مواده في تأخر تنصيب المئات من رؤساء المجالس المحلية المنتخبة في نوفمبر 2021، مما أثار جدلاً كبيراً حول مدى نجاعة هذا التعديل.
أولاً: آلية اختيار وتنصيب رئيس المجلس الشعبي البلدي قبل الإصلاحات الأخيرة
عرفت عملية اختيار رئيس المجلس الشعبي البلدي تطورات عديدة منذ الاستقلال، إذ كان يتم الاختيار عن طريق الانتخاب وفق أحكام الأمر 67-24 المتضمن قانون البلدية الصادر سنة 1967، غير أن المشرع غيّر من ذلك بعد دستور 1989 حيث اعتمد مبدأ التعيين كآلية لاختيار رئيس المجلس بموجب القانون 90-08 المتعلق بالبلدية.
وقد جاء هذا التعديل نتيجة تبني التعددية الحزبية، حيث كان الحزب الحاصل على أغلبية مقاعد المجلس هو من يقوم بتعيين أحد أعضائه رئيساً للمجلس.
إلا أن المشرع عاد مرة أخرى لاعتماد الانتخاب كآلية لاختيار الرئيس وذلك بعد صدور القانون العضوي رقم 12-01 المتعلق بنظام الانتخابات سنة 2012، مما أحدث نوعاً من التعارض بينه وبين أحكام قانون البلدية، إذ نصّ هذا الأخير على أن يعلن رئيساً متصدر القائمة الفائزة.
وقد أصدرت وزارة الداخلية آنذاك تعليمات للتوفيق بين القانونين، تقضي باتباع طريقة الانتخاب المنصوص عليها في قانون الانتخابات مع اشتراط أن يكون المرشح متصدر القائمة طبقا لقانون البلدية.
ثانياً: الآلية الجديدة لاختيار رئيس المجلس الشعبي البلدي بعد الإصلاحات
جاء الأمر 21-13 الصادر في 31 أوت 2021 ليعدل بعض أحكام قانون البلدية 11-10 بغرض مواءمته مع نظام القوائم المفتوحة المعتمد في القانون العضوي الجديد للانتخابات.
ووفقاً لهذا التعديل أصبحت عملية اختيار رئيس المجلس تتم وفق الخطوات التالية:
- - الانتخاب عن طريق الاقتراع النسبي على القائمة المفتوحة مع التصويت التفضيلي.
- - توزيع المقاعد على القوائم حسب عدد الأصوات التي حصلت عليها.
- - تقديم القوائم الفائزة لمرشحيها حسب نسب معينة: القائمة صاحبة الأغلبية تقدم مرشح واحد، والقائمتان الحاصلتان على 35% على الأقل من المقاعد يحق لكل منهما تقديم مرشح، وفي حال عدم وجود قائمة بهذه النسبة يحق لجميع القوائم تقديم مرشح.
- - انتخاب المرشح الحاصل على الأغلبية المطلقة رئيساً للمجلس، فإن لم يحصل أي مرشح على الأغلبية يتم إجراء دور ثانٍ بين المرشحين الحائزين على المرتبتين الأولى والثانية.
ثالثاً: الإشكالات القانونية التي أثارها تطبيق الأمر 21-13
بالرغم من أن الأمر 21-13 جاء ليزيل الغموض عن عملية اختيار رئيس المجلس إلا أن تطبيقه عملياً أثار العديد من الإشكالات القانونية، أبرزها:
- 1- غموض بشأن صاحب الصلاحية في دعوة أعضاء المجلس المنتخبين للاجتماع لانتخاب الرئيس، إذ لم توضح المادة 64 مكرر من له حق توجيه هذه الدعوة.
- 2- لم تعالج المادة 65 الحالة التي تحصل فيها قائمة واحدة على نسبة 35% من مقاعد المجلس، وهو ما أدى إلى تأخر انتخاب الرئيس في أكثر من 600 بلدية.
- 3- لم تُحدد معايير تقديم القائمة الفائزة لمرشحها في حال وجود خلاف بين أعضائها، هل حسب عدد الأصوات أم بقرار من الحزب أم بالتصويت بين الأعضاء؟
رابعاً: التوصيات لتجاوز الإشكالات المسجلة
في ضوء ما سبق، يمكن تقديم التوصيات الآتية:
- - تعديل المادة 64 مكرر لتحدد صراحةً أن الوالي هو صاحب الصلاحية في دعوة أعضاء المجلس المنتخبين لانتخاب الرئيس.
- - إعادة صياغة المادة 65 لتشمل حالة القائمة الوحيدة الحاصلة على نسبة 35%، وكيفية التعامل مع حالة عدم حصول مرشحها على الأغلبية.
- - النص صراحةً على أن القائمة تختار مرشحها بالتوافق بين أعضائها أو حسب أكبر عدد من الأصوات التي حصل عليها المرشحون ضمن القائمة
- شهدت عملية اختيار رئيس المجلس تغيرات متعددة بين الانتخاب والتعيين على مر السنين تماشياً مع المستجدات السياسية والتشريعية.
- جاء الأمر 21-13 ليواءم بين قانون البلدية وقانون الانتخابات، إلا أنه أثار بعض الإشكالات القانونية أدت إلى تعطيل العملية الانتخابية في المئات من البلديات.
- من الضروري مراجعة وتعديل قانون البلدية مجدداً، وإعادة صياغة المواد المتعلقة باختيار الرئيس بشكل واضح يزيل اللبس والغموض ويحقق الاستقرار القانوني والسياسي على المستوى المحلي.
- ينبغي الانتباه إلى ضرورة تحقيق الانسجام التام بين مختلف القوانين ذات الصلة بالعملية الانتخابية، لتفادي الوقوع في مثل هذه الإشكالات مستقبلاً.
أحمد عسري، أحمد بن مالك ، الإشكالات القانونیة لاختیار وتنصیب رئیس المجلس الشعبي البلدي في ظل الأمر رقم 13-21 المعدل والمتمم لقانون البلدیة في الجزائر،مجـلة ابـحاث قانـونیة وسیـاسیة ،المجلد،07 العدد،01 جوان 2022 .