السوار الإلكتروني كبديل للعقوبات السالبة للحرية
يُعدّ استخدام تقنية السوار الإلكتروني كبديل للعقوبة السالبة للحرية من الاتجاهات الحديثة والمعاصرة في مجال التشريعات والسياسة العقابية، حيث تسعى هذه الاتجاهات إلى التقليل من اللجوء إلى السجن كعقوبة، واستبداله بعقوبات بديلة أكثر إنسانية وفاعلية .
تعتمد فكرة السوار الإلكتروني على إلزام المحكوم عليه بارتداء سوار مزود بأجهزة الكترونية تسمح بتتبعه ومراقبته عن بعد بدلاً من إيداعه السجن. وفيما يلي سنتناول ماهية تقنية السوار الإلكتروني، والأساس القانوني لاستخدامه كبديل عقابي في النظام الجزائري، وكذلك مزاياه وتحديات تطبيقه.
السوار-الإلكتروني-كبديل-للعقوبات-السالبة-للحرية |
أولاً: ماهية وتعريف السوار الإلكتروني
يُعرَّف السوار الإلكتروني بأنه" سوار خفيف مصنوع من مواد بلاستيكية يُلزم المحكوم عليه بارتدائه حول كاحله أو ذراعه، مزود بتقنيات حديثة تسمح بمراقبته وتتبعه عن بعد أينما ذهب دون الحاجة لاعتقاله أو سجنه". ويعتمد السوار الإلكتروني في آلية عمله على ثلاثة أجهزة رئيسية:
- 1. السوار ذاته:
وهو عبارة عن سوار خفيف يرتديه المحكوم عليه حول ساقه أو ذراعه، مصنوع من مواد قوية ومقاومة للماء ودرجات الحرارة.
- 2. أجهزة تحديد المواقع الجغرافية GPS:
تتيح هذه التقنية تتبع مواقع المحكوم عليه الجغرافية بفضل نظام تحديد المواقع العالمي GPS المدمج داخل السوار.
- 3. شبكة الإنترنت:
يكون السوار متصلاً بشبكة الإنترنت باستمرار لإرسال البيانات حول مواقع المحكوم عليه إلى مراكز المراقبة المختصة.
تتيح هذه التقنيات بشكل مجتمع مراقبة المحكوم عليه عن بعد وتتبع تنقلاته بدقة، كما تنبه مراكز المراقبة في حال محاولته نزع السوار مثلاً أو الخروج خارج النطاق الجغرافي المحدد له. وبهذا توفر بديلاً ملائماً لاعتقاله في السجن مع ضمان الرقابة الإلكترونية المستمرة له.
ثانياً: الأساس القانوني لتطبيق السوار الإلكتروني
في الجزائر اعتمد المشرع الجزائري تقنية السوار الإلكتروني ضمن التشريعات الجزائية سنة 2015 من خلال الأمر رقم 15-02 المعدل لقانون الإجراءات الجزائية.
وقد جاء هذا التعديل ترجمة لتوصيات اللجنة المكلفة بإصلاح قطاع العدالة في الجزائر، والمعنية بإيجاد السبل الكفيلة لتفعيل مبادئ المحاكمة العادلة وتعزيز حقوق المتقاضين وفق الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر.
وقد سمح هذا التعديل بتطبيق تقنية السوار الإلكتروني كبديل احترازي عن الحبس المؤقت المقرر قانوناً لجرائم الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تتجاوز ستة أشهر.
كما أجرى المشرع الجزائري تعديلاً جديداً لقانون الإجراءات الجزائية سنة 2018 ليوسع من نطاق تطبيق السوار الإلكتروني ليشمل العقوبات الأصلية السالبة للحرية التي لا تتجاوز مدتها خمس سنوات وذلك للجنايات والجنح المعاقب عليها قانوناً بهذه العقوبات.
وبذلك أصبح السوار الإلكتروني - وفقاً للمرسوم التشريعي رقم 01/2018 - بمثابة عقوبة بديلة للحبس أو السجن لمدة لا تزيد عن خمس سنوات، يفرضها القاضي بدلاً من إيداع المتهم السجن.
ثالثاً: مزايا استخدام السوار الإلكتروني كبديل عن السجن
يوفر استخدام تقنية السوار الإلكتروني عدداً من المزايا، يمكن إيجازها فيما يلي:
- 1. الحد من ظاهرة الاكتظاظ في المؤسسات العقابية: حيث يسهم تطبيق السوار الإلكتروني في تخفيف الضغط على السجون من خلال تقليص أعداد المساجين، وبالتالي التخفيف من مشكلة الاكتظاظ وما ينجم عنها من آثار سلبية.
- 2. تقليل التكاليف المادية: إذ تشير التقديرات إلى أن تكلفة السوار الإلكتروني لا تتعدى 15% من تكلفة سجن المحكوم عليهم، مما يوفر عبء مالي كبير على ميزانية الدولة.
- 3. الحفاظ على كرامة الإنسان وتجنيبه محنة السجن: حيث يتيح السوار الإلكتروني للمحكوم عليه البقاء مع أسرته ومواصلة حياته بشكل طبيعي نسبياً بعيداً عن مشقة التوقيف أو السجن.
- 4. سهولة إعادة الدمج الاجتماعي: بحيث يتاح للمحكوم عليهم مواصلة حياتهم العملية والاجتماعية بشكل أفضل، مما ييسر عودتهم وانخراطهم من جديد في المجتمع بعد انتهاء مدة العقوبة.
- 5. تحقيق الردع مع ضمان المراقبة المستمرة: إذ يوازن السوار الإلكتروني بين تحقيق الهدف من العقوبة في ردع المحكوم عليه من خلال حرمانه من حريته، وفي الوقت ذاته السماح له بالبقاء في كنف أسرته مع مراقبة حركته وتحديدها جغرافياً بفضل التقنيات الحديثة.
رابعاً: التحديات التي تواجه تطبيق السوار الإلكتروني
على الرغم مما تقدم، إلا أن تطبيق السوار الإلكتروني كبديل عقابي يصطدم ببعض التحديات، من أبرزها:
- 1. محدودية البنى التحتية التقنية والفنية اللازمة لنجاح التجربة، ومنها على وجه الخصوص: شبكات الاتصالات والإنترنت عالية السرعة والموثوقية لنقل البيانات، ومراكز المتابعة والمراقبة المزودة بالتقنيات والكوادر البشرية المؤهلة.
- 2. محدودية الوعي الاجتماعي والثقافي بأهمية مثل هذه البدائل العقابية ودورها في الإصلاح وإعادة التأهيل، مما قد يؤدي إلى رفض المجتمع أو عدم تقبله لفكرة تجنيب بعض المجرمين السجن.
- 3. صعوبة التطبيق بالنسبة للمناطق النائية والمعزولة التي تفتقر للتغطية الجيدة بشبكات الاتصالات والإنترنت، مما يحد من قدرة أجهزة السوار على إرسال البيانات بشكل مستمر.
- 4. احتمالية تعطل الأجهزة أو اختراقها، مما قد يتيح نافذة للمحكوم عليهم للتهرب من المراقبة، وهو ما يستدعي ضرورة التطوير المستمر للبرامج والأنظمة الأمنية المستخدمة لضمان فاعليتها.
في الختام يُعدّ السوار الإلكتروني من الوسائل العقابية البديلة الواعدة، كونه يجمع بين تحقيق الردع من خلال القيود المفروضة على حركة المحكوم عليه، وفي الوقت ذاته إتاحة الفرصة له بالبقاء في كنف المجتمع ومع أسرته، مع ما يوفره ذلك من مزايا إنسانية واقتصادية واجتماعية.
لقد أصبح السوار الإلكتروني من أهم الخيارات ضمن الاتجاهات الحديثة في مجال السياسة العقابية والبدائل المقترحة لعقوبات السجن والحبس، خاصة بالنسبة للمحكوم عليهم في جرائم الجنح والجنايات البسيطة.
غير أن نجاح هذه التجربة وتعميمها مرهون بتهيئة البنى التحتية التقنية اللازمة، وإكساب أفراد المجتمع الوعي والثقافة الكافيين حول دورها في إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم والحد من تفاقم الظاهرة الإجرامية.
خريطة ذهنية السوار الإلكتروني كبديل للعقوبات السالبة للحرية |
وبذلك تظل تقنية السوار الإلكتروني خياراً يجمع بين احترام حقوق المتهم والارتقاء بأساليب العقاب، في اتجاه تحقيق العدالة الناجعة القائمة على التوازن بين مصلحة الفرد وحق المجتمع.
المرجع:
صورية بوربابة،عبد الحليم موساوي ،السوار الإلكتروني بديل العقوبة السالبة للحرية في التشريع
الجزائري والتشريع المقارن،مجلة الفكر القانوني والسياسي ،المجلد السادس العدد الأول،2022.