منهجية التعلیق على حكم أو قرار قضائي
في هذه المقالة، سنقوم بتسليط الضوء على منهجية التعليق على الأحكام والقرارات القضائية، وهي عبارة عن عملية تحليل وتقييم القرارات الصادرة عن السلطة القضائية فيما يتعلق بالنزاع المعني.
منهجية التعلیق على حكم أو قرار قضائي |
تعتبر هذه المنهجية جزءًا هامًا في مجال القانون، حيث تتطلب إتقانًا عميقًا للمفاهيم النظرية والعملية المتعلقة بالموضوع المعلق عليه، بالإضافة إلى فهم دقيق للمنهجيات القانونية التي تساعد في تقييم الحكم أو القرار المعني.
مراحل التعليق على الأحكام والقرارات القضائية :
تتكون مراحل التعليق على الأحكام والقرارات القضائية من مرحلتين: المرحلة التحضيرية والمرحلة الكتابية.- أولا المرحلة التحضيرية:
المرحلة التحضيرية هي المرحلة الأولى في تحليل القرارات القضائية، وتتضمن استخلاص الأحكام والقرارات القضائية وتحليلها. في هذه المرحلة يتم التركيز على عناصر مهمة مثل الوقائع، الإجراءات، الإدعاءات، والمشكل القانوني.- 1- الوقائع:تشمل استخلاص الأحداث والتفاصيل التي أدت إلى نشوء النزاع في القرار القضائي. يجب على الباحث تحديد الوقائع المهمة التي تؤثر في المسؤولية التقصيرية للأطراف وتجنب ذكر الوقائع غير المهمة. يجب ترتيب الوقائع بترتيب زمني وتقديمها بشكل نقاط دون الافتراضات.
- 2- الإجراءات:تشمل جميع المراحل القضائية التي مر بها النزاع حتى صدور القرار المحل بالتعليق. يجب التركيز على المراحل القضائية الهامة وتحديد المحاكم والهيئات التي صدرت منها القرارات.
- 3- الإدعاءات:تشمل المزاعم والمطالبات التي تقدمها الأطراف للمطالبة بحقوقهم. يجب ترتيب وشرح الأسانيد القانونية المعتمدة في الإدعاءات وذكر النصوص القانونية المعتمدة بدلاً من الاكتفاء بعبارات عامة.
- 4- المشكل القانوني:هو السؤال القانوني الذي يتعين على القاضي حله في نهاية الحيثيات القرار قبل وضعه في منطوق الحكم. يجب طرح المشكل القانوني في شكل سؤال رئيسي وأسئلة فرعية لتحليل المسألة القانونية بشكل صحيح.
عند طرح المشكل القانوني وجب مراعاة مايلي:
- - أن يُطرح السؤال بأسلوب قانوني: يعني ذلك أن يتم طرح السؤال أو المشكلة بطريقة تتعلق بالقوانين والأصول القانونية المعمول بها. يتضمن ذلك استخدام المفاهيم والمصطلحات القانونية الصحيحة وتحليل القضية من منظور قانوني.
- - إعادة طرح الإشكال طرحاً تطبيقياً: يعني أن يتم طرح المشكلة بشكل يتعامل مع الواقع والحالة الفعلية بدلاً من النظريات العامة. وبدلاً من الاهتمام بمسائل نظرية القانون، يتم التركيز على كيفية تطبيق القوانين والأصول القانونية على حالة معينة أو مشكلة محددة.
- "ألاً يُستشكل مالا مشكلة فيه" : ، يشير ذلك إلى أنه ليس هناك ضرورة لطرح سؤال قانوني أو استفهام حول مسألة ليست مشكلة قانونية أو مسألة قابلة للنزاع. بمعنى آخر، لا يجب أن يتم طرح سؤال قانوني حول مسائل غير قانونية أو غير قابلة للتنازع بين الأطراف.
لذا، تُعَدُّ المرحلة التحضيرية عملية وصفية يقوم بها المعلّق، وجب عليه فيها الحرص على الدقة، حيث إن تحليلاته اللاحقة ستقوم على البناء على ما استخلصه في هذه المرحلة.
-ثانياً- المرحلة التحريرية :
المرحلة التحريرية تشمل وضع خطة لدراسة المسألة القانونية المطروحة والإجابة على الإشكال القانوني المذكور في القرار، ومناقشتها.اليك أهم الملاحظات التي وجب مراعاتها بخصوص المرحلة التحريرية :
- - يجب أن تكون الخطة تتناول صلب الموضوع وتحتوي على مقدمة ومباحث ومطالب وخاتمة، وتتعلق بالقضية وأطراف النزاع. كما يجب أن تكون تطبيقية وتعالج المسألة القانونية المطروحة بشكل دقيق ومتوازن.
- - يتم التركيز في المناقشة على المسألة القانونية المعنية بالحكم أو القرار القضائي المعروض للتعليق، من المقدمة وحتى الخاتمة.
- - ينبغي على المعلق تجنب الخطة النظرية والخطة التي تتكون من مبحث نظري ومبحث تطبيقي لتجنب تكرار المعلومات.
- - في حالة وجود اشكاليتين قانونيتين، يمكن معالجة كل واحدة منهما في مبحث منفصل، وهذه تُعَدُّ الخطة المثالية في معالجة أغلب المسائل القانونية المطروحة من خلال الأحكام والقرارات القضائية.
- - بعد وضع المعلق للخطة بكامل عناوينها، يبدأ في مناقشة المسألة القانونية المتعلقة بالحكم أو القرار القضائي المعلق عليه، من المقدمة وصولاً إلى الخاتمة.
بعدما يضع المعلّق الخطّة بِكّل عناوينها، يبدأ المعلّق في مناقشة المسألة القانونية التي يتعلّق بها الحكم أو القرار القضائي المحل تعليقه، بدءًا من المقدمة ومرورًا بصلب الموضوع، حتى يصل إلى الخاتمة.
- المقدمة :
في المقدمة يتم عرض الموضوع القانوني المطروح للتعليق بشكل مختصر، ويتم تلخيص الحكم أو القرار المطروح بشكل كافٍ، بدءًا من الوقائع والإجراءات والادّعاءات وصولًا إلى طرح المشكلة القانونية بشكل موجز لتوضيح النقاط المطروحة. يمكن للمعلّق أن يقارن في التحليل بين قضاة مختلفين في المحاكم لمعرفة الاتجاه الأكثر شيوعًا في الاجتهاد القضائي عندما يتعلق الحكم بمحكمة معينة، وفي حالة القرارات الصادرة من المحكمة العليا، يمكن مقارنتها مع قرارات أخرى من المحكمة العليا. يتم ذكر تاريخ صدور القرار لتحديد ما إذا كانت هناك تغييرات في الاجتهادات السابقة، أو إذا كان هناك تفسير جديد لقاعدة قانونية معينة أو الاستناد إلى قاعدة قانونية أخرى.
- الموضوع:
يقوم المعلق في كل جزء من الخطة بمناقشة جانب من المسألة القانونية المطروحة المراد دراستها، ويقدم رأيه في الحل القانوني للنزاع بشكل دراسي وشخصي.
أولاً: الدراسة العملية:
في هذه الدراسة العملية، ينبغي على المعلّق أن ينظر إلى موقف الحل القانوني المطروح بالنسبة للنصوص القانونية، هل تم استناده إلى نصوص قانونية واضحة أم غامضة؟ وكيف تم تفسيره ووفق أي اتجاه؟ يجب على المعلّق أن ينظر إلى موقف الحل القانوني بالنسبة للفقه، ويحقق في الآراء الفقهية المتعلقة بالمسألة والرأي الذي اعت
مده القرار. يجب على المعلّق التحقق من مدى توافق موقف الحل مع الاجتهادات القانونية السابقة، هل يطورها أم يشكل نقطة تحوّل فيها. وبعد ذلك، يجب على المعلّق الاستعانة بالمعلومات النظرية المتعلقة بالمسألة القانونية المطروحة لإعداد التعليق، والرجوع إلى تفاصيل الحكم أو القرار لتطبيق تلك المعلومات على القضية المطروحة في كل مرة.
ثانيًا: الدراسة الشخصية:
من خلال إعطاء تقييم للحل الذي جاء به القرار ورأي المعلق فيه، يمكنه التحقق مما إذا كان هناك حل أفضل يشتمل على نفس المحاسن المتواجدة في الحل القضائي المعطى، دون أن يكون له سلبيات.
- الخاتمة:
في الخاتمة، يتوصل المعلّق إلى نتيجة تفيد بأن المسألة القانونية المطروحة في الحكم أو القرار القضائي المعلّق عليه تتعلق بمسألة قانونية محددة وتتم معالجتها بحل قانوني محدد. يجب على المعلّق معالجة هذا الحل والتحقق من وجود بدائل أفضل تتمتع بنفس المحاسن الموجودة في الحل القضائي المعطى، ويمكنه إبداء رأيه الخاص في ذلك. وبذلك يختم المعلّق تعليقه على القرار.
وفي ختام هذا المقال يمكننا أن نستنتج أن مراحل التعليق على الأحكام والقرارات القضائية تتطلب عملية دقيقة ومنهجية لتحليل وتفسير هذه القرارات. وتعتمد على مرحلتين المرحلة التحضيرية تتضمن استخلاص الأحكام والقرارات وتحليل الوقائع والإجراءات والإدعاءات وطرح المشكل القانوني الرئيسي. يجب أن يتم تقديم هذه العناصر بدقة وباستخدام المصطلحات القانونية الصحيحة.
بعد المرحلة التحضيرية، يأتي دور المرحلة التحريرية التي تتضمن وضع خطة لدراسة المسألة القانونية المطروحة والتعامل معها بشكل متوازن. كما لاننسى انه يجب أن تركز المناقشة على المسألة القانونية المعنية بالحكم أو القرار القضائي وأن تكون الخطة تطبيقية وتحتوي على مقدمة ومباحث ومطالب وخاتمة.
اهم ما يمكن استخلاصه :
- أولاً، قد تم التأكيد على أهمية المقدمة في توضيح موضوع المسألة القانونية المطروحة وتلخيص الحكم أو القرار بإيجاز. هذا يساعد القارئ على فهم السياق والنقاط المهمة التي سيتم التعليق عليها.
- ثانياً، تم التركيز على الدراسة الموضوعية والشخصية كمنهجيتين أساسيتين في التعليق. في الدراسة الموضوعية، يتعين على المعلّق تحليل الموقف القانوني والفقهي المعروض في الحكم أو القرار، ومقارنته مع النصوص القانونية والاجتهادات القضائية السابقة. أما في الدراسة الشخصية، يجب على المعلّق تقديم رأيه الخاص وتقييمه للحل القانوني المعروض، وإمكانية وجود بدائل أفضل.
- ثالثاً، لا ينبغي أن نغفل عن الأهمية الكبيرة للمعرفة النظرية المتعلقة بالمسألة القانونية المطروحة. يجب على المعلّق البحث والتوثيق والرجوع إلى المصادر القانونية والنظرية لتعزيز تحليله وتعليقه على الحكم أو القرار.
في النهاية، منهجية التعليق على حكم أو قرار قضائي تتطلب تحليلًا دقيقًا واستنتاجات مدروسة، وتعتمد على المعرفة والاستدلال القانوني. يهدف التعليق إلى توفير وجهات نظر متعددة وتحسين فهمنا للقانون والقرارات القضائية. بالتزامن مع احترام السيادة القضائية، يمكن لهذه المنهجية أن تسهم في تعزيز النقاش والتفكير القانوني وتحقيق تطور مستدام في النظام القضائي.
المراجع والمصادر :
- كتاب "منهجية التعليق على الأحكام والقرارات القضائية" للأستاذ الجامعي أحمد بن مالكة.
- كتاب "منهجية التعليق على الأحكام والقرارات القضائية في القانون الجزائري" للأستاذ الجامعي محمد عيسى لونيس.
- كتاب "تقنيات التعليق على الأحكام والقرارات القضائية" للأستاذ الجامعي محمد بوزيان.
- كتاب "منهجية التعليق على الأحكام والقرارات القضائية في القانون الجزائري المعاصر" للأستاذ الجامعي فوزي بوشيبة.