تهدف نظرية الدولة إلى دراسة الجوانب النظرية المتعلقة بالدولة، مثل طبيعتها ومصادر سلطتها. تعتبر الدولة بمثابة تنظيم اجتماعي تأسس على أسس معينة، وتحقيق وظائفها يتم من خلال سلطة سياسية تمتلك حق الحكم والقوة الاجتماعية لإنشاء وتنظيم المجتمع.
|
نظريات نشأة الدولة | ما هي نظريات نشأة الدولة؟ |
وتعد نظرية العقد الاجتماعي من النظريات المؤثرة في فهم نشأة السلطة السياسية والدولة، وتشير إلى أن الدولة نشأت بتوصل أفراد المجتمع إلى عقد اجتماعي، حيث يتفقون على التنازل عن بعض حرياتهم الفردية والاعتراف بوجود سلطة مركزية تمثلهم جميعاً وتحمي مصالحهم الجماعية.وينطوي هذا الاتفاق الاجتماعي على تأسيس الدولة، حيث يتضمن تنازل المواطنين عن جزء من حرياتهم الفردية وسلطاتهم الشخصية لصالح السلطة الحاكمة، ويعتبر هذا العقد الاجتماعي أساساً لنشأة الدولة وتأسيس السلطة السياسية. وتُعدُّ هذه النظرية أحد الأسس الفلسفية الرئيسية لفهم نشأة الدولة والسلطة السياسية فيها.
ما هي نظريات نشأة الدولة؟ وكيف نشأت وتطورت فكرة الدولة؟
مقدمة:
يتباين رأي العلماء في الأصل الحقيقي لنشأة الدولة، ما ينعكس على تعدد الأفكار والنظريات التي صُيغت لتفسير هذا الأمر. ويُعدُّ البحث عن أصل نشأة الدولة وتحديد وقت ظهورها من المسائل المعقدة، نظراً لأن الدولة هي ظاهرة اجتماعية تعود جذورها إلى الحضارات القديمة، وتتأثر بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تطورها. وهناك من قام بتقسيم هذه النظريات إلى فئات متقاربة، مثل تصنيفها إلى نظريات ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية، أو إلى نظريات دينية وأخرى بشرية، أو إلى اتجاه نظري وآخر واقعي أو اتجاه غيبي وآخر علمي. ويعتبر التصنيف الأنسب لهذه النظريات هو التصنيف الثنائي، وهو التصنيف الغير قانوني والقانوني الذي يتفرع إلى عدة فروع ومطالب.
ويتمثل التحدي المطروح في السؤال عن الأصل والعوامل التي أدت إلى نشأة الدولة؟
المبحث الأول: نظريات الهيات السلطة (غير قانونية)
المطلب الأول : النظريات المشيخة ( الثيوقراطية )
الفقهاء في مصر وصفوا هذه النظريات بأنها نظريات ثيوقراطية. وعلى الرغم من أن المعنى الحرفي للمصطلح الفرنسي لا يشير إلى النظريات الدينية، إلا أنه يعني النظريات التي ترتبط بإلهيات السلطة.
تعود أصول هذه النظرية إلى الله، وتؤكد على أن الدولة والسلطة نشأت من قبل الله، مما يحث أتباعها على تبجيلها بوصفها صنيعة الله وحقًا من حقوقه التي يمنحها لمن يشاء. وفقًا لهذه النظرية، يستمد الحاكم سلطته من الله، وبالتالي يجب أن تكون إرادته أعلى من إرادات المحكومين.
تلاحظ أن هذه النظريات لعبت دورًا كبيرًا في القديم، إذ قامت السلطة والدولة في المجتمعات القديمة على أسس دينية محضة، واستخدمت النظرية الدينية في العصر المسيحي والقرون الوسطى، ولم تختف آثارها إلا في بداية القرن العشرين. ويرجع ذلك إلى دور المعتقدات والأساطير في حياة الإنسان، حيث كان يعتقد أن هذا العالم محكوم بقوى غيبية مجهولة يصعب تفسيرها، مما جعل بعض الناس يُضيفون صفة القداسة والإلهية إلى أنفسهم.
مع مرور الزمن، ظهرت اختلافات بين مؤيدي هذه النظرية فيما يتعلق بطريقة اختيار الحاكم، على الرغم من اتفاقهم على أن السلطة ملك لله. ونتيجة لذلك، تشكلت ثلاثة اتجاهات رئيسية:
- 1) اتجاه تؤمن بتأليه الحاكم:
تمتلك نظرية تأليه الحاكم انتشارًا واسعًا في العصور القديمة، إذ كان الإنسان متأثرًا بالأساطير والأفكار الدينية، وبالتالي يعتقد أن الحاكم هو إلهٌ يستحق العبادة. ففي مصر الفرعونية، كان الفرعون يُعتبر إلهًا (رع)، وذُكر في القرآن الكريم قول فرعون "مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي" (القصص: 38)، وقول الله تعالى "فَقَالَ أَنَا رَبّكُمُ الْأَعْلَى" (النازعات: 24). وفي بلاد فارس والروم، كان الحاكم يعتبر بصفته إلهيًا. وفي الهند القديمة، يُعَتَبَر براهما شبه إله.
- (2) نظرية الملكوتية (الحق الإلهي المقدس المباشر)
تُفسر هذه النظرية بأن الحاكم ليس إلهًا أو شبه إله، بل إنه بشر يحكم بإختيار من الله العلي القدير الذي يختار الملوك لحكم الناس، وعليه يتوجب على الشعب الطاعة المطلقة للملوك، ولا يمكن مساءلتهم عن أفعالهم أمام أحد سوى الله، الذي اختارهم وأقامهم في مواقعهم. ونتيجة لذلك، يستمد الحاكم سلطته من الله، ولا يمكن لأحد آخر مساءلتهم أو العرقلة في سلطانهم. وعلى الرغم من أن هذه النظرية تختلف عن فكرة تأليه الحاكم القديمة، حيث لا يوجد تفرقة بين الملك والإله، فإنها سادت في أوروبا بعد أن اعتنق الإمبراطور قسطنطين الدين المسيحي، وذلك لتقوية السلطة المطلقة للحاكم وعدم المساس بها من قِبل الناس ورجال الدين.
- (3) النظرية التفويض الإلهي (الحق الإلهي الغير المباشر)
ما زالت فكرة الحق الإلهي المباشر قائمة، ولكنها تطورت وتبلورت في شكل نظرية التفويض الإلهي الغير المباشر أو العناية الإلهية. وفقًا لهذه النظرية، لا يتدخل الله بشكل مباشر في تحديد شكل السلطة أو طريقة ممارستها، ولا يختار الحكام بنفسه. بدلاً من ذلك، يوجه الأمور بشكل معين لمساعدة الناس على اختيار نظام الحكم الذي يرونه مناسبًا.
يمكن اعتبار هذه النظرية ديمقراطية إلى حد ما، وتعتقد الكنيسة الكاثوليكية أن الله أودع جميع السلطات بيد البابا وأنه تم خلع سيف السلطة الزمنية عن الحكام. وبالتالي، فإن سلطة الحاكم لم تعد مطلقة، ويجب على الأفراد عدم مخالفة أوامر الحاكم، وإلا سيتم ارتكاب معصية.
قد استخدم الأستاذ بوسيه هذه الفكرة لتبرير نظام الملوك القائم في فرنسا خلال القرن السابع عشر، وقد قام بتمييز بين السلطة المطلقة والسلطة المستبدة، وهي التي تخالف التعاليم الإلهية.المطلب الثاني: النظريات الطبيعية (الملكية الطبيعية)
تُعَدُّ النظريات الطبيعية هي التي تفسر تكوين الدولة عن طريق البشر. ومن بين هذه النظريات الرئيسية تأتي:
تأسست هذه الفكرة في ظل الإقطاعية، حيث تؤمن "بحق الملكية الأرضية كحق طبيعي يمنح مالكي الأرض حق الملكية على كل ما يقع عليها، وحق الحكم على الأشخاص الذين يعيشون عليها"، والذين يجب عليهم الخضوع لسلطة المالك والانصياع لأوامره. وبالتالي، فإن الدولة تأتي كنتيجة لحق الملكية الأرضية، وتهدف إلى خدمة مصالح الإقطاعيين وتبرير النظام الإقطاعي.
تعتبر هذه النظرية من النظريات الحديثة التي ظهرت في القرن التاسع عشر، ولا تنتمي إلى مدارس القانون الطبيعي. تعتقد هذه النظرية أنه يمكن تطبيق قوانين الطبيعة على الظواهر الاجتماعية، بما في ذلك الدولة. وفقًا لهذه النظرية، يشبه الإنسان الذي يتألف من عدة أعضاء، حيث يقوم كل عضو بوظيفة معينة وضرورية للحفاظ على صحة الجسم ككل. بالمثل، تقوم مجموعة الأفراد في الدولة بأداء وظائف مختلفة وضرورية للحفاظ على استقرار ونمو المجتمع ككل، حيث يجب أن يكون هناك مجموعة تحكم وأخرى تخضع للحكم. بالتالي، فإن الدولة هي ظاهرة مهمة وضرورية تعمل مثل الظواهر الطبيعية للحفاظ على استقرار المجتمع.
ترى هذه النظرية الحديثة أن الأفراد ليسوا متساوين بل ينتمون إلى إحدى فئتين، الأولى تميل للاستمرارية والسلطة والزعامة، بينما الثانية تميل للانصياع والخضوع. ويؤمن هذا التيار بأن العوامل النفسية الطبيعية تحدد مكانة كل فرد في المجتمع. لهذه الأسباب، نشأت الدولة، ولكن هذه النظرية تعتبر عنصرية في جوهرها. فقد استخدمت النازية هذه النظرية لتبرير تفضيل الآريين وتمييزهم عن الجنسيات الأخرى.
رائد نظرية نشأة الدولة هو الفيلسوف اليوناني أرسطو، إذ يعتبر أن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي ولا يمكن له العيش منعزلاً، بل يشعر برغبة غريزية في الانتماء للمجتمع. ويتمثل هذا الانتماء في العائلة، التي تكون أصغر وحدة اجتماعية، وتتفرع لتشكل العائلة، ثم القبيلة، وأخيراً المدينة التي تكون نواة الدولة. وتعتبر هذه النظرية أول محاولة فكرية لتفسير نشأة الدولة، حيث يرى مؤيدوها أن الدولة هي مرحلة متطورة من الأسرة وأن السلطة السياسية تعتمد على سلطة رب الأسرة أو شيخ القبيلة.
ويشير تأييد هذه النظرية إلى أن الأديان جميعها تعترف بأن الإنسان ينتمي إلى العائلة، وتوجد تشابهات كثيرة بين الدولة والعائلة من حيث النظام والتضامن الجماعي. وقد يُطلق على هذه النظرية باسم "نظرية السلطة الأبوية". وبناءً على بعض الشواهد التاريخية، يعتبر بعض الناس هذه النظرية صحيحة.
واجهت هذه النظرية العديد من الانتقادات، وأهمها:
- وجود مغالطة تاريخية بحيث أن علماء الاجتماع يؤكدون أن الأسرة لم تكن الخلية الأولى في تشكيل المجتمعات.
- المصالح المشتركة والتعاون لمواجهة تحديات الطبيعة جمعت الناس قبل ظهور الأسرة.
- الانتماء كان يكون إلى العشائر التوأمية التي ترتكز على التضامن والتعاون، وليس على أساس الصلة الدموية والأسرة كما يقول أرسطو.
تابع صفحتنا على الفيسبوك و على تويتر ليصلك كل ماهو جديد
لاتنسى مشاركة الموضوع مع أصدقائك